نيل قويليام –" تشاثام هاوس
قد يسامح الفرد إذا نسي أن سوريا كانت يوما لاعبا واضحا
في السياسة الخارجية في المنطقة. الرئيس الراحل حافظ الأسد كان مؤثرا تحديدا
بالحصول على الدعم الدولي، أحيانا السوفيتي، أحيانا الأمريكي، لتحقيق أهداف سوريا
المحلية، وكان أستاذا باستخدام الوكلاء لإفساد وتقويض مصالح أعدائه في الدول
المجاورة. منذ 2011، النظام الذي استلمه ابنه، بشار الأسد، فقد قبضته على السياسة
الخارجية، إذ تسيطر الآن القوى المحلية والدولة على خيوط التنظيمات التي تعمل
بالوكالة داخل سوريا.
بالرغم من أن الأسد الأب لم يكن شخصية مفضلة لدى القادة
الأجانب والغربيين، وعمل على سياسات تعادي مصالحهم، إلا أن الكثير يعترفون بحسد
أنه كان مفكرا استراتيجيا استفاد من اللعب الطويل في العلاقات الخارجية. بالرغم من
ميله نحو الوكلاء، إلا أنه كان متسقا ومتوقعا بشكل عال.
خلال حكمه (1970-2000)، استخدم الأسد الأب خليطا من
المكر والوحشية المحسوبة لتحويل سوريا من كونها ألعوبة لكل من القوى الإمبريالية
والمحلية إلى دولة يحسب حسابها. استند في سياسته الخارجية السورية على مفهوم من
المصالح العربية الوطنية، بأهداف تضمن إطالة عمر نظامه البعثي، ساعيا للتساوي مع
إسرائيل، وجاعلا سوريا، بأية وسيلة، زعيمة الصراع العربي مع إسرائيل. خصوصا بعد أن
وقعت مصر اتفاقية سلام كامب ديفيد، دشنت دمشق نفسها بالتظاهر بأنها التهديد
العسكري الحقيقي الوحيد (بشكل مباشر أو غير مباشر) لإسرائيل، مساعدة إياها بالحفاظ
على وضع ثابت مفيد.
وبحق، حاز نظام الأسد انتقادات كبيرة لخوضه في شؤون
جيرانه، خصوصا لبنان، التي تدخلت بها سوريا عسكريا عام 1967، وفلسطين، من خلال
استضافتها تنظيمات رافضة عارضت منظمة التحرير الفلسطينية السابقة، ورئيس السلطة
الفلسطينية ياسر عرفات. هذا الخوض كان يهدف لتوسيع التأثير السوري على لبنان
والقضية الفلسطينية بدعم الوكلاء. تحت حكم الأسد، أصبحت سوريا المفسد الإقليمي
بامتياز، وقوضت بشكل ثابت الجهود الإقليمية والعالمية التي لم تتوافق مع المصالح
السورية، بما في ذلك الحرب الإيرانية العراقية. دعم الأسد لإيران في الصراع جعله
على النقيض مع دول الخليج العربي، وجعلته يبدو قصير النظر وانتهازيا. بعد عدة
سنوات، أثبت أن ذلك كان استثمارا ناجحا.
الأسد الأب كان ماهرا باستغلال ضعف كل من حلفائه
وأعداءه لمصالحه. على سبيل المثال، عندما اقترب الرئيس المصري أنور السادات من
أمريكا، وأخرج 15 ألف مستشار سوفييتي عام 1972، استغل الأسد الفرصة وعزز علاقته
بموسكو، وقوى المصالح التجارية مع القوة العظمى. عندما بدأ التأثير الأمريكي في
الشرق الأوسط يتنامى في اللعبة الصفرية للحرب الباردة، كان الأسد قادرا على
الاتجار بالضعف السوفييتي، بينما كان يملك شيكا مفتوحا تقريبا منها لعدة سينوات.
عندما بدأ الاتحاد السوفييتي يتفكك في 1989، فهم الأسد
أن النظام العالمي الجديد بدأ بالظهور، واستفاد من غزو صدام حسين للكويت في آب/
أغسطس 1990 ليعيد اصطفاف سوريا مع التحالف الأمريكي الذي حرر الدولة الخليجية.
توظيف 12 ألف جندي مشاة كان رمزيا، لكنه كان كافيا لإقناع أمريكا أن سوريا كانت
شريكا حقيقيا. أكثر من ذلك، استجابت أمريكا بإعطاء الأسد الأب الضوء الأخضر للتحرك
ضد الجنرال المدعوم من العراق ميشيل عون في لبنان، الذي أسس رئاسة منافسة. بعد
ذلك، احتلت سوريا لبنان بمباركة غربية، حتى خروجها المتسرع في نيسان/ أبريل 2005
بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.
علاقات مبددة
في ذلك الوقت، أدت هذه الخيارات السياسية لجعل الكثير
من المحللين يقولون إن سوريا لا تملك سياسة خارجية، كما اعتبروا الأسد مستبدا
متقلبا. هذا يبدو تماما مثل التهمة الموجهة لابنه، إلى أن هناك فرقا رئيسا: الأسد
الأب كان لاعب سياسة خارجية استراتيجية ينظر على المدى الطويل. كان زعيما عنيفا
مستعدا لاستخدام الآليات القاسية لجعل سوريا مركزية في السلام الشامل مع إسرائيل،
كما فهم حدود تكتيكاته ومخاطر عبور الخطوط الحمراء. على سبيل المثال، التهديد
العسكري من تركيا عام 1998 جعل الأسد الأب يسلم زعيم حزب العمال الكردستاني عبد
الله أوكلان لتركيا. أكثر من ذلك، إتمام اتفاقية عدم الاشتباك مع إسرائيل الموقعة
عام 1974 بخصوص مرتفعات الجولان لم تنتهك أثناء رئاسته.
في النهاية، بشار الأسد أثبت أنه المستبد المتقلب.
اغتيال الحريري كان لحظة محورية في رئاسة بشار، إذ إنه لم يؤد فقط للانسحاب السريع
للقوات السورية من لبنان بعد 29 سنة، بل جعله يتعدى خطا أحمر مع السعودية التي
كانت حتى ذلك الوقت، داعمة للزعيم الشاب. بشار استفز الملك السعودي الراحل عبد
الله عندما وصفه بـ”نصف الرجل” بعد انتقاد المملكة للموقف السوري في حرب 2006 بين
إسرائيل وحزب الله، والتي تفاقمت عندما رفض الأسد دعوة الملك في 2012 بتطبيق
الإصلاحات خلال الربيع العربي. جوهريا، بشار “لم يحترم” الحريري ولا الملك عبد
الله، وصنع عدوا أزليا من الأخير.
كانت تبعات ذلك عودته
الإجبارية إلى روسيا وإيران والعراق للدعم عندما استحال الربيع العربي عنيفا،
بينما عمل حكام الخليج العربي على إطاحته. بدل الحصول على دعم شركائه لتطوير مصالح
سوريا الإقليمية، أصبح النظام معتمدا عليهم للبقاء، وهكذا سلم سياسته الخارجية لمن
يدفع أكثر.
Ahmad Drbas
تعليقات :
إرسال تعليق